أم زوجي تنتقدني رغم كل شيء أسويه

أنا متزوجة من رجل هو أكبر إخوانه، وهذا الشيء أعطاه دور غير مباشر كأنه "رأس العائلة"، والضغط اللي يشعر فيه عشان يكون دائمًا قدوة أو مثالي، قاعد ينعكس عليّ بطريقة صعبة جدًا. من بداية الزواج، وأنا ألاحظ إنه يطلب مني أكون حاضرة في كل مناسبة تخص أهله، سواء كانت مناسبة رسمية مثل عزيمة أو حفلة، أو حتى جمعة عائلية بسيطة. هو يعتبر وجودي معهم ضرورة، ويشوف إن أي غياب مني، حتى لو بعذر واضح، كأنه تقصير أو قلة اهتمام.

أنا مو ضد التجمعات، لكن بطبيعتي مو اجتماعية كثير، وأحيانًا أكون تعبانة، أو ضغوط الحياة مأثرة عليّ نفسيًا، أو حتى ما أكون في مزاج يسمح لي أكون في وسط الناس. ومع ذلك، أحاول أقدر المستطاع إني أروح وأسوي الواجب، أحضر وأجلس وقت كافٍ، وأتعامل مع الكل بأدب واحترام، لكن رغم كل هذا، أحس إني دايمًا مو كافية.

اللي يخلّي الوضع أسوأ، إن زوجي ما يقيّم حضوري أو تعبي، بالعكس، يركز على التفاصيل اللي يشوفها "نقص"، مثل إن حضوري كان متأخر، أو إن خروجي من التجمع كان بدري. يعني حتى لو رحت وأنا مرهقة، بمجرد ما أقول له "خل نطلع بدري" أو أبان إني ما أتحمّل أتم أكثر، تنقلب عليه الحالة، ويرجع البيت معصب، ويبدأ يقول: "ليش تأخرتِ؟ وليش تطلعين بسرعة؟ وش بيقولون؟"

بعد فترة بدأت أربط تصرفاته بكلام يسمعه من أمه. كل ما نقصت جمعة أو تأخرت أو طلعت بدري، يرجع لي بكلام واضح إنه ترديد لنفس اللي أمه قالته، مثل: "أمي تسأل ليش تطلع بسرعة؟ ليش ما تجي إلا نادر؟ ليش كذا وليش كذا؟" حتى لو كانت أمه قالت الكلام بشكل عابر، لكنه ياخذه بمحمل كبير جدًا ويضغطني فيه، كأنه لازم أكون "بنتهم" الكاملة في نظرهم، بدون أي تعب أو تقصير.

هالكلام يخليني دايمًا في حالة توتر، أحس إني مراقبة، وكل تصرف بسيط مني راح يتحول إلى ملاحظة سلبية توصل لأمه، ومن ثم توصل لي على شكل عتاب أو مشكلة. والمشاكل مو بسيطة، أحيانًا توصل لحد إننا ما نتكلم بالأيام، وهو يعاملني وكأني قصّرت بحق أهله أو أسأت لهم، رغم إني ما سويت شيء أكثر من إني اعتذرت عن حضور أو خرجت من التجمع بدري.

كل هالضغط مأثر على راحتي النفسية وعلى علاقتي فيه، لأنه بدل ما يكون سندي في هالنوع من الضغوطات، صرت أحس إنه طرف فيها. بدل ما يقول "زوجتي تعبانة" أو "عندها ظروف"، يضغطني أكثر، ويحسسني إن سعادته وسعادة أمه تعتمد على حضوري بهالجمعة أو ذيك.

بعد فترة من الضغط المتكرر، وصلت لمرحلة ما عاد أقدر أتحمل، لا نفسيًا ولا جسديًا. قررت أتكلم مع زوجي بكل هدوء، أفتح له قلبي وأشرح له إن الموضوع مو عناد ولا تقصير، لكن أنا إنسانة لي طاقة وحدود. قلت له إني أحاول أكون موجودة وأحضر قد ما أقدر، لكن مو كل مرة أقدر أكون حاضرة بنفس الحماس أو الراحة. وضّحت له إني ما أحب أكون مجاملة زيادة عن طاقتي، لأني في النهاية راح أتعب، وحتى أهله راح يحسون إني مو مرتاحة.


كنت أتوقع يتفهم، أو على الأقل يخفف عليّ، لكنه فاجأني بتبرير خلاني أنصدم وصراحةً يؤلمني كل ما أتذكره.


قال لي: "أنا أبيك تعوضين أمي عن أختي اللي توفت. أبيها تحس إن عندها بنت، وإنك موجودة في كل شي عشان تحسيها إنها ما فقدت شي."


وقتها حسيت إن الحمل اللي شايلته صار أضعاف. كيف ممكن إنسانة تعوّض أم عن فقد بنتها؟ وش ذنبي أحمل مشاعر الحزن والفقد اللي ما لها حل؟ حتى لو كنت أطيب وأحن إنسانة، ما راح أقدر أملأ هالفراغ. والمشكلة الأكبر إنه ما عنده بس أمه، عنده بعد ثلاث أخوات، وحدة منهن بنفس عمري، لكن رغم كذا هو شايف إني أنا بالذات اللي لازم "أعوّض" مكان أخته الراحلة.


حاولت أوصل له فكرتي، وقلت له بالحرف: "ما في أحد بالدنيا يعوّض أحد. لا أنا أقدر أعوّض أمك عن بنتها، ولا أحد يقدر يعوّضني عن أخوي وأمي الله يرحمهم. كلنا فاقدين، لكن ما نطلب من اللي حولنا يلبّون هالفراغ. أنت تبي ترضي أمك؟ مو على حسابي، مو بتكبّدني أنا التعب النفسي والجسدي عشان أمك تحس إنها ما فقدت شي."


لكن بدل ما يتفهم، زاد تمسكه. صار يربط كل تصرف مني بعلاقتي مع أهله. لو ضحكت معاه يوم، قال "الحمد لله اليوم علاقتك بأمي كويسة". لو كنت زعلانة، قال "أكيد صار شي بينك وبين أمي". كأن ما عندي سبب خاص بي للزعل أو الراحة، كل مشاعري مرتبطة بعلاقته هو بأهله. كأني مجرد حلقة وصل بينهم، مو إنسانة مستقلة بشخصية ومشاعر.


كنت دايم أحاول أحافظ على علاقتنا وأتجنب المشاكل. أروح التجمعات وأنا مو مرتاحة، أبتسم وأنا قلبي ثقيل، أجلس وأنا نفسي تقول لي "قومي واطلعي"، بس كل هذا عشان ما يصير زعل بيني وبين زوجي. لكن بعد فترة، تعبت.. تعبت جدًا. ما عاد أقدر أجامل أكثر من كذا، ولا أتحمل الضغط اللي جالس يزيد كل يوم بدل ما يخف.


بعد ما شرحت له موقفي ورفضت أكون "بديلة" لأي أحد، كنت أتمنى تهدأ الأمور شوي.. لكن للأسف اللي صار كان العكس تمامًا. والدته، من اللحظة اللي بدت تحس إني مو قاعدة "أنفذ" الدور اللي تبيه، بدأت تتغير علي بشكل واضح. حتى أبسط التفاصيل صارت تتحكم فيها، أو تنتقدني بسببها.

إذا حضرت متأخرة: "ليش تأخرت؟ أكيد ما تبينا".
إذا خرجت بدري: "ليش مستعجلة؟ شكلك مو حابة الجلسة".
وإذا ما رحت أصلًا: تقوم الدنيا ولا تقعد.
كل تصرف بسيط مني صار يتم تفسيره بطريقة سلبية، ويُعاد صياغته عند ولدها بشكل يخليه دايم يجي متحفّز علي.

كنت أحاول أتماسك، وأقول يمكن مع الوقت تفهم إن طاقتي محدودة، لكن المفاجأة إن زوجي بدأ يتغير بعد ما حطيت الحدود. صار أكثر توتر، أكثر انتقاد، أقل صبر. إذا قلت له "ما أقدر أحضر اليوم" أو "ودي أزور أهلي"، يرد ببرود أو حتى بزعل صريح، وكأن طلبي فيه نوع من العقوق له أو لأمه.

ما عاد يكتفي بس بالزعل، صار يشكك في نيتي:
"ليش ما تبين تحضرين؟ تبين تعاندين أمي؟"
"أنتي متقصدة تخلينهم يزعلون منك؟"
وبدل ما يكون طرف داعم لي، صار أداة ضغط باسم "بر الوالدة".

زادت المشاحنات بينا، وكل نقاش لازم يوصل لنقطة "أنتي السبب، لو علاقتك بأهلي زينة ما كان صار كذا".
حتى المواقف اللي أكون فيها تعبانة، حامل، أو حتى أمر بظرف صعب، ما كانت تشفع لي. كنت أتألم وأكتم، لكنه يطالبني أني أكون "مثالية" في أعينهم مهما كلفني الأمر.

ومع كل هذا، كنت أتحمل.. أحاول ما أخلي المشاكل تأثر على زواجي، أحاول أفصل بين زوجي وبين والدته، لكن مع الوقت اكتشفت إني قاعدة أتآكل من جوّا. صرت أحس إني مو عايشة لنفسي، عايشة دور مرسوم لي، غصب، بإرادتهم، بدون ما أحد يسأل: "أنتِ مرتاحة؟"

القشة اللي قصمت ظهري كانت آخر موقف صار لما جينا بننتقل لبيتنا الجديد. كنا متفقين نشتري أغراض البيت سوا، كنت متحمسة، أحلم أختارها بنفسي.. لكن اكتشفت فجأة إنه راح مع أمه أو أحد من أهله وخلص كل شي بدون ما حتى ياخذ رأيي! لا سألني، لا أخذني، لا كلّمني. كأني مو شريكة حياته، كأني ما أستحق أفرح بأبسط تفاصيل حياتنا.

هنا حسّيت إني وصلت للنقطة اللي لازم أوقف عندها وأسأل نفسي: "هل هذا الزواج اللي أقدر أكمل فيه؟ هل أقدر أتحمّل كل هذا عشان أرضي أحد؟ هل علاقتنا فيها عدل، أو بس مسؤولية مفروضة علي؟"

أنا ما قصرت، لا مع زوجي ولا مع أهله، لكن لما الطرف الثاني ما يقدّر، ويقابل التعب بالضغط، والمشاعر بالتحكّم، والحدود بالتجاهل… فهنا ما يكون في شراكة، يكون في استنزاف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق