أنا بنت عمري 25 سنة، متزوجة وأعيش مع زوجي الحمد لله، لكن من يومي صغيرة وأنا أعاني من التفرقة في بيت أهلي. كنت البنت الوحيدة بين ولدين أصغر مني، والمفروض إن البنت مدلعة أو مدللة، بس اللي صار معاي كان العكس تماماً. أمي وأبوي كانوا يميلون لإخواني بشكل واضح، يحبونهم أكثر، يسمعون لهم، يدلعونهم، ويغضّون الطرف عن أي تصرف يسوونه، حتى لو كان غلط أو تعدّي عليّ.
تعودت من صغري إني أكون مهمّشة، لا صوت، لا حق، وكل مرة يحاول أحد يقنعني إني أبالغ، لكن الواقع إن إخواني كانوا يتمادون أكثر من اللازم. صاروا يسبوني بألفاظ قذرة، شتايم ما تنقال، ويمدّون يدهم علي بدون ما أحد يقول لهم "وش تسوون؟". وكنت إذا تكلمت، أتحمّل النتيجة، لأني أعرف إن أمي وأبوي راح يوقفون معهم ويقولون عني "هي تستاهل".
قبل حوالي شهر، صارت سالفة ما أنساها. كنت رايحة زيارة لأهلي، وجيت أساعد أمي لأنها كانت مستقبلة حريم في البيت. بعد ما مشوا، جلست مع أمي شوي، وبعدها راحت، وبقيت أنا وأخوي في المجلس لحالنا. هو عمره 23، ودايم يحب يستفزني، يدور أي شي يعلق عليه أو يهاوش، وأنا متعودة أسكت وأتحاشى الرد، لأني عارفة إذا رديت راح يمد يده مثل كل مرة، وأهلي بيبررون له كأن ما صار شي.
بس هالمرة كان الوضع غير. أنا من جوّا كنت مكسورة ومتضايقة من زمان، وجا هو وبدأ يشتم مثل كل مرة، وأنا فجأة انفجرت. رديت عليه بنفس أسلوبه، ويمكن أقسى، لأنه خلاص، تعبت. ما تحمل، على طول قام ومد يده وضربني، بس مو ضربة عادية، ضربني ضرب وأنا ما قدرت أقاوم، خلاني طايحة على أرض المجلس وأنا أتعور، وراح، دخل البيت كأنه ما سوى شي.
ما كلمت أمي ولا أبوي، لأني عارفة وش بيصير، بيقولون "انتي السبب"، أو "لا تردين عليه"، نفس الكلام اللي أسمعه من سنين. لكن هالمرة ما سكت، اتصلت على زوجي وأنا مقهورة من اللي صار، وقلت له كل شيء. قلت له: "ما عاد أتحمل، خلاص لازم أحد يحط له حد، مو كل مرة أسكت وأسكت وأنا أنهان".
زوجي ما تردد، خلال نص ساعة كان قدام باب بيتنا. نزل من السيارة، لابس ثوبه، عقاله مايل، ورافع أكمامه، واضح إنه جاي شاحن وبيفضي غضبه. دخل المجلس، وأنا وراه، ولما دخلنا لقينا أخوي جالس بالصالة يتفرج على التلفزيون، ولا كأنه قبل شوية مد يده علي وضربني، ولا كأنه في أحد مكسور جوّا من أفعاله.
زوجي طالع فيه، ومسكه، ومن غير ولا كلمة بدأ يضربه، بوكسات ودفّات، طلع فيه كل قهره. والله كأنه مطبّق عليه كل الحركات اللي نشوفها في المصارعة. وأنا واقفة من بعيد، عيوني تدمع، بس مو من الزعل، من الفرحة، من أول مرة أحس إن أحد وقف لي، إن أحد اعتبرني إنسانة تستحق الكرامة والحماية. والله لو أقدر أوصف إحساسي وقتها... كنت أناظر زوجي وكأني أشوف بطل، سند، ظهر، شي ما حسّيت فيه طول حياتي في بيت أهلي.
كنت مستانسة، أول مرة بحياتي أحس إن في أحد وقف في صفي بدون ما يحط اللوم علي، بدون ما يهدّيني أو يقول لي "اصبري". زوجي ما ترك أخوي إلا وهو يبكي ويتأسف لي قدامه. حسيت إن كرامتي رجعت لي، إني مو مهانة زي كل مرة.
مسكت يد زوجي وطلعنا من بيت أهلي وأنا أحس إني أخيراً أخذت حقي. طبعاً أمي وأبوي زعلوا، وقالوا إن اللي صار غلط، وإن زوجي ما كان المفروض يمد يده، بس هو وقف وقفة رجال وقال لهم بكل هدوء: "أنا آسف، بس أنا ما أقبل أحد يهين زوجتي، حتى لو كان من أهلها".
من ذاك اليوم وأنا أحس بحرية غريبة، كأن جبل كان على صدري وانزاح. إخواني ما عاد يتجرؤون علي، حتى بالصوت، كأنهم استوعبوا إن الموضوع ما صار مثل أول، صار في أحد يحميني، صار في ظهر.
بس قبل كم يوم، أخوي اللي انضرب أرسل لي رسالة، يعتب فيها ويقول: "شلون توقفين مع غريب ضد أخوك؟! اللي يصير بيننا ما المفروض يطلع لزوجك". يعني للحين شايف إن اللي سواه شي عادي، وإن مشكلته الوحيدة إن زوجي عرف، مو إنه مد يده علي ولا شتمني.
أنا صورت المحادثة، ورديت عليه وقلت له: "ترى والله لو أوريها زوجي يجيك مرة ثانية وما يرحمك"، وهو على طول رد علي بكلمة قذرة، نفس أسلوبه اللي متعودة عليه من سنين، وبعدين عطاني بلوك. وما هزّني، ولا حتى زعلت، بالعكس، حسيت إني أقوى، وأني ما عدت أخاف منه.
كل اللي أفكر فيه الحين، هل اللي سويته كان صح؟ هل المفروض أعتذر لأخوي؟ لأن من يومها ما كلمني، وأخوي الثاني بعده ساكت، ما عاد يتهاوش معي مثل قبل، واضح إنه خايف يصير له نفس المصير.
بس في داخلي شي يقول: ليه أعتذر؟ سنين وهم يضربوني ويسبوني ونرجع نسولف كأن ما صار شي، وأنا اللي دايم أتنازل. طيب الحين ليه هم ما يعتذرون؟ ليه كل اللوم علي بس لأني أخيراً دافعت عن نفسي وخليت أحد ياخذ لي حقي؟
أنا ما أدري، هل أطيح الحطب وأبادر، ولا أخليهم هم يحسون ويجون من نفسهم؟ لأني تعبت أكون دايم الطرف اللي يتنازل ويصلّح، وأنا اللي كنت أنضرب وأُهان من سنين، ومو بس مرة ولا مرتين، هذا كان أسلوب حياة في بيتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق